طبيعة عقود الشغل المبرمة من قبل مقاولات الوساطة في التشغيل La nature juridique des contrats de travail établis par les sociétés de travail temporaire

طبيعة عقود الشغل المبرمة من قبل مقاولات الوساطة في التشغيل

حسن هروش
محام بهيئة الدارالبيضاء
الدارالبيضاء في 19 دجنبر 2017

كثيرا ما يثار أمام المحاكم بكون عقود الشغل المبرمة بين الأجراء ومقاولات الوساطة في التشغيل عقود مؤقتة، وكثيرا ما يساير القضاء في الغالب الأعم من أحكامه هذا المنحى دون التدقيق في شروط إبرام عقد الشغل بين مقولة التشغيل المؤقت والأجير الذي تضعه رهن إشارة طرف ثالث، وهو المستعمل.
غير أنه يجدر التنبيه إلى أن اعتبار عقد الشغل المبرم مع مقاولات التشغيل المؤقت عقد شغل مؤقت رهين بتوافر مجموعة من الشروط نصت عليها مدونة الشغل.
ذلك أنه يتعين الإشارة، من جهة أولى، إلى أنه عملا بمقتضيات المادة 495 من مدونة الشغل، فإن مؤسسات الوساطة في التشغيل هي أشخاص اعتبارية مستقلة عن السلطة العمومية، وقد حدد المشرع مهامها في الفقرة الأولى من ذات المادة، التي أحالت على الفقرة “ج” من المادة 477 من ذات القانون، وتتمثل في إعداد وتأطير وتشغيل أجراء في تخصصات مختلفة، وتضعهم رهن إشارة شخص آخر ثالث يسمى المستعمل.
وهذا التعريف يستدعي الملاحظات التالية:
– أن المشرع جعل نشاط الوساطة في التشغيل حكرا على الأشخاص الاعتبارية دون الأشخاص الذاتين، الذين لا يسمح لهم بممارسة هذا النشاط.
– أن هناك علاقة ثلاثية تقوم بين ثلاث أشخاص وهم، الوسيط في التشغيل، الأجير والمستعمل، الذي يستفيد من اليد العاملة.
وأنه تتعين الإشارة، من جهة ثانية، إلى أن المشرع اشترط في المادة 487 من مدونة الشغل لممارسة نشاط الوساطة في التشغيل الحصول على إذن من لدن السلطة الحكومية المكلفة بالتشغيل.
وجدير بالتنبيه، من جهة ثالثة، إلى أن المشرع نص في المادة 501 من مدونة الشغل على أنه:
“يحرر كتابة، العقد الذي يربط مقاولة التشغيل المؤقت بكل أجير من الأجراء الذين تم وضعهم رهن إشارة المستعمل.
يجب أن يشتمل هذا العقد على ما يلي:
– البيانات الوارد ذكرها في المادة 499 أعلاه؛
– مؤهلات الأجير؛
– مبلغ الأجر وكيفيات أدائه؛
– فترة التجربة؛
– مواصفات المنصب الذي سيشغله الأجير؛
– رقم انخراط مقاولة التشغيل المؤقت، ورقم تسجيل الأجير في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي؛
– شرط إعادة الأجير إلى وطنه من قبل مقاولة التشغيل المؤقت إذا كانت المهمة تنجز خارج المغرب.
يجب أن ينص العقد على جواز تشغيل الأجير من قبل المقاولة المستعملة بعد انتهاء المهمة”
وأنه يتعين الإشارة، من جهة رابعة، إلى أن المشرع نص في المادة 501 من مدونة الشغل على أن العقد المبرم بين مقاولة التشغيل المؤقت والأجير ينبغي أن يتضمن البيانات المنصوص عليها في المادة 499 من مدونة الشغل.
وحيث إن المادة 499 من مدونة الشغل تنص على أنه:
“إذا وضعت مقاولة التشغيل المؤقت أجيرا رهن إشارة مستعمل، فإنه يجب عليها أن تبرم مع المستعمل عقدا كتابيا في هذا الشأن، يتضمن البيانات التالية:
– السبب الموجب للجوء إلى أجير مؤقت؛
– مدة المهمة ومكان تنفيذها؛
– المبلغ المحدد كمقابل لوضع الأجير رهن إشارة المستعمل”.
وأنه يتعين الإشارة، من جهة خامسة، إلى أن المشرع حدد في المادة 496 من مدونة الشغل على سبيل الحصر الحالات التي يمكن فيها للمستعمل اللجوء إلى مقاولات التشغيل المؤقت لتزويده بأجراء بدلا من إبرام عقد الشغل مباشرة مع الأجراء.

وفي هذا الصدد نصت المادة 496 من مدونة الشغل على أنه:
“يلجأ المستعمل إلى أجراء مقاولة التشغيل المؤقت بعد استشارة الهيئات التمثيلية للأجراء داخل المقاولة من أجل القيام بأشغال غير دائمة تسمى “مهام”، في الحالات التالية فقط:
1 – إحلال أجير محل أجير آخر في حالة غيابه، أو في حالة توقف عقد الشغل، ما لم يكن التوقف ناتجا عن الإضراب؛
2 – التزايد المؤقت في نشاط المقاولة؛
3 – إنجاز أشغال ذات طابع موسمي؛
4 – إنجاز أشغال استقر العرف على عدم اللجوء فيها إلى عقد شغل غير محدد المدة بسبب طبيعة الشغل.
تحدث لجنة مختصة ثلاثية التركيب تعنى بتتبع التطبيق السليم لمقتضيات هذا الباب.
يحدد تكوين هذه اللجنة وطريقة عملها بنص تنظيمي”
وأن مؤدى هذا المقتضى القانوني أن المشرع حدد حالات اللجوء إلى مقاولات التشغيل المؤقت على سبيل الحصر، طالما أن الأصل هو إبرام عقد الشغل مباشرة مع الأجير رعيا من المشرع لمبدأ استقرار الأجير في الشغل باعتبار أن القانون الاجتماعي له طابع حمائي، بدليل أن المشرع استعمل في المادة 496 عبارة ” في الحالات التالية فقط”.
وأنه يتعين الإشارة، من جهة سادسة، إلى أن المشرع ألزم الشركة المستعملة ومقاولة التشغيل المؤقت بتحديد مدة المهمة التي سيتم الاستعانة لإنجازها بأجراء التشغيل المؤقت، على أساس ألا تتجاوز المدة المنصوص عليها في المادة 500 من مدونة الشغل بحسب اختلاف الحالات.
وفي هذا الصدد نصت المادة 500 من مدونة الشغل على أنه:
“لا يجوز أن تتجاوز مدة المهمة:
– مدة توقيف عقد الأجير الذي حل محله الأجير المؤقت كما هو مبين في الفقرة 1 من المادة 496؛
– ثلاثة أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة في الحالة المبينة في الفقرة 2 من نفس المادة؛
– ستة أشهر غير قابلة للتجديد في الحالتين المبينتين في الفقرتين 3 و4 من نفس المادة”.
وأنه اعتبارا لذلك، فإن أقصى مدة يمكن أن يصلها العقد المبرم بين الشركة الوسيطة والأجير هي ستة أشهر عملا بالحالتين الأخيرتين المذكورتين في المادة 500 من مدونة الشغل.
وتأسيسا على مقتضى ما سبق فإن عقود الشغل المبرم من قبل مقاولات التشغيل المؤقت التي لا تتوافر فيها الشروط المذكورة أعلاه، تعد عقود شغل غير محددة المدة، وفي بعض الأحيان مبرمة مباشرة مع المستعمل وليس مع المقاولة الوسيطة في التشغيل.
ومن المفيد التنويه إلى أن اجتهاد محكمة الاستئناف بالدار البيضاء استقر في عدة قرارات متواترة على اعتبار العقود التي لا تحترم هذه المقتضيات عقود شغل غير محددة المدة، يترتب على إنهائها استحقاق الأجير للتعويضات المنصوص عليها قانونا، نذكر من بين هذه القرارات على سبيل المثال لا الحصر القرار عدد 6442، الصادر بتاريخ 08 دجنبر 2015، في الملف عدد 1924/1501/2013، الذي جاء في إحدى حيثياته:
“وحيث لئن كانت المشغلة تتمسك بكونها متخصصة في الوساطة في التشغيل وأنها وضعت الأجير رهن إشارة شركة مستعملة فإن عقد العمل المحتج به وإن كان يشير إلى كونه ينصب على إنجاز مهمة مؤقتة لدى شركة مستعملة وأنه عقد مؤقت وأبرم لمدة محددة ينتهي بانتهاء المهمة فإنه لا يتضمن البيانات الواردة بصيغة الوجوب في المادة 501 من مدونة الشغل، والتي يتعين أن يشتمل عليها كل عقد يربط مقاولة التشغيل المؤقت بكل أجير من الأجراء الذين تم وضعهم رهن إشارة المستعمل ومن ذلك التنصيص على البيانات المتعلقة بالعقد المبرم بين المشغلة والمستعمل (السبب الموجب للجوء إلى أجبر مؤقت، مدة المهمة ومكان تنفيذها، المبلغ المحدد كمقابل لوضع الأجير رهن إشارة المشغل) وكذا مؤهلات الأجير، مبلغ الأجر وكيفيات أدائه، فترة التجربة، مواصفات المنصب الذي سيشغله الأجير، رقم انخراط مقاولة التشغيل المؤقت ورقم تسجيل الأجير في الصندوق الوطني للضمان.
وحيث فضلا عن ذلك فإن العقد المذكور لم يحدد مدة المهمة طبقا لما هو منصوص عليه في المادة 496 من المدونة إذ لا يجوز أن تتجاوز ثلاثة أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة بالنسبة للتزايد المؤقت في نشاط المقاولة أو ستة أشهر غير قابلة للتجديد في حالة إنجاز أشغال ذات طابع موسمي أو أشغال استقر العرف على عدم اللجوء فيها إلى عقد شغل غير محدد المدة بسبب طبيعة الشغل، وإذا كان عدم تضمين السبب الموجب للجوء إلى أجير مؤقت قد يؤدي إلى اعتماد العقد المحدد المدة عوض العقد من أجل مهمة حسب رأي بعض الفقهاء (محمد سعيد بناني في مؤلفه قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل) فإنه لا يوجد ضمن أوراق الملف ما يفيد أن علاقة المشغلة بالأجير في نازلة الحال قد أبرمت في إطار الحالات الاستثنائية المنصوص عليها في المادتين 16 و17 من مدونة الشغل، وبالتالي فإنه يتعين اعتبار عقد العمل الرابط بينهما غير محدد المدة طالما أن الأصل في عقود العمل أنها تبرم لمدة غير محددة وهو ما انتهى إليه الحكم الابتدائي مصادفا بذلك الصواب ولا يسع هذه المحكمة إلا تأييده في هذا الشق”.
قضية السيد يونس حمامي ضد شركة كانبان

وأن المحكمة الابتدائية طبقت كذلك هذه المقتضيات في حكمها عدد 6396 الصادر بتاريخ 27 يوليوز 2017 في الملف الاجتماعي عدد 7872/2016، الذي جاء في بعض حيثياته:
“وحيث إنه جوابا على دفع المدعى عليها بكون علاقة العمل مع المدعي علاقة مؤقتة، فإنه بالرجوع إلى الفصل 496 من مدونة الشغل يتبين أنه حدد حالات العقد المؤقت في أربع حالات لم تثبت المدعى عليها أية حالة منها. وبالرجوع كذلك إلى الفصل 500 من المدونة فإنه حدد أقصى مدة للعقد في ستة أشهر غير قابلة للتجديد. وأن المدعى عليها خلافا لهذا المقتضى فإنها أدلت بعقدين متتاليين الأول تؤكد أنه استمر سنتين والثاني استمر لسنة. ولذلك فإن مخالفة عقد العمل للمقتضيات القانونية المتعلقة بالعقود المحددة المدة يجعل عقد العمل بين طرفي الدعوى على طبيعته الأصلية وهي أنه غير محدد المدة.
وحيث إن إنهاء العقد غير المحدد المدة بدون مبرر مشروع يعطي الحق للأجير في طلب التعويضات المخولة له قانونا”
قضية السيد إدريس كرت ضد شركة إنسي المغرب